Obama Israel Palestine and Peace
أوباما، إسرائيل، فلسطين، والسلام
بقلم راي حنانيه
العرب واليهود شعبان عاطفيان. فنحن نعيش في دوّامة عاطفية ترتفع يوما إلى أعلى درجات الغضب ثم تعود في يوم آخر إلى أعلى درجات الأمل. وككثير من الفلسطينيين، أنا لست متفائلا بموضوع السلام ولطالما كنتُ متحفظا من كثرة الكلام الأجوف الذي سيطر على الأحداث طوال السنوات العشرين الماضية، أي بعد تلك المصافحة بين ياسر عرفات واسحاق رابين.
لقد كانت الدوامة بشعة في كثير من الأحيان. ولكن يوم الخميس الماضي، وبينما كنت أستمع إلى الكلمات التي كان يلقيها الرئيس باراك أوباما في ندوته الصحفية المشتركة مع خلف ياسر عرفات، الرئيس محمود عباس، وجدت نفسي مرة أخرى أميل نحو الأمل.
قدّم أوباما مرافعة قوية بالمنطق الذي كان يقال بشكل ضمني في السابق، دون أن يعبّر عنه أحد بمثل هذه الوجاهة وقوة الاقناع. ليس من اللازم حلّ كل القضايا الصعبة حتى يعود الفلسطينيون والاسرائيليون إلى طاولة الحوار، ويتفاوضوا حول اتفاق السلام. وقد جعل أوباما من هذا المنطق أكثر قبولا بخطابه، وهو خطاب ذهب إلى حدّ لم يبلغه أي رئيس قبله في اتجاه تطمين الفلسطينيين بأن محادثات السلام لا تستخدمها إسرائيل كمناورة فارغة هدفها التسويف والتوسّع على الأرض.
الحقيقة هي أنه خلال توقف المفاوضات على مدى السنوات العديدة الماضية، واصلت إسرائيل توسيع مستوطناتها العنصرية وغير الشرعية. وفي نفس الوقت استمرّ الاطلاق الرمزي للصواريخ المحلية الصنع من قطاع غزة الواقع في أسر حماس.
وعندما نتحدث عن عدم وجوب حلّ كل القضايا الكبرى، فإننا في الواقع لسنا نعني فقط تلك القضايا التي ترفض إسرائيل التوقف عنها مثل التوسّع المستمرّ للمستوطنات المخصصة لليهود دون غيرهم، والتي تبنيها على الأراضي التي يملكها المسيحيون والمسلمون في الضفة الغربية الواقعة تحت الاحتلال العسكري. لكننا نعني أيضا عدم حلّ قضية استمرار حدّ معيّن من العنف، حتى خلال مفاوضات السلام.
إسرائيل هي الطرف الذي يفرض الشروط المسبقة بالمطالبة بوقف العنف كليّا، قبل الانطلاق في أية مفاوضات. وبالفعل، كلما كانت هناك محادثات سلام ووقع خلالها بعض العنف، فإن إسرائيل كانت تسارع إلى التوقف عن المفاوضات. بالتالي لم يكن الفلسطينيون فقط من يطالبون بشروط مسبقة لتحقيق السلام، بل أن الاسرائيليون كانوا يفعلون ذلك أيضا.
إن التوسع الاستيطاني هو أيضا نوع من أنواع العنف، لا يقلّ درجة عمّا يقترفه بعض المتطرفين في قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حماس، بإطلاق صواريخ على إسرائيل، وهي صواريخ قلّما تلحق أيّ ضرر يُذكر على بيوت المدنيين أو تؤدي إلى فقدان أرواح إسرائيلية.
فلنقارن ذلك مع الهجمات العسكرية الشرسة التي تقوم بها إسرائيل ضد المحاربين الفلسطينيين وضد الأهداف المدنية، مؤدية إلى قتل أعداد كبيرة من الأبرياء بما فيهم الرجال والنساء والأطفال والعجائز.
الاسرائيليون هم من يفتقدون إلى أيّ حسّ أخلاقي عندما يتعلق الأمر بتحقيق السلام. وتبدوا القيادات الاسرائيلية سعيدة باستمرار العنف، بينما يواصلون السيطرة على كل أراضي فلسطين التاريخية، من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. لقد كان الاسرائيليون هم العقبة في طريق السلام.
ولكن من يعيق السلام حقيقة هم المتطرفون الذين يستغلّون مشاعر الناس في دوّامة الانجازات الفاشلة. وهؤلاء المتطرفون موجودون لدى الطرفين، رغم أنهم موجودون بشكل أكبر لدى الجانب العربي، وهذا أمر مفهوم بما أن الاسرائيليين ينعمون بحالة شبه طبيعية، بينما يُفرض على الفلسطينيين سواء كانوا معتدلين أو متشددين، أن يعيشوا مع بعضهم في ظروف حياتية يملئها الرعب الذي تفرضه عليهم إسرائيل.
من غير الأخلاقي أن تفرض إسرائيل على الفلسطينيين أن يمرّوا عبر نقاط تفتيش كتلك التي توجد في مخيمات الاعتقال، والكل يعلم أن نقاط التفتيش تلك لا علاقة لها بمنع العنف بقدر ما هي تهدف إلى سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية. وإن وضوح الأكاذيب الاسرائيلية تغذي التطرف بين الفلسطينيين. ولكن أوباما يطرح نظرة مختلفة نوعا مّا لاستئناف عملية المفاوضات والوصول إلى تحقيق حلّ الدولتين، لأن الدولتان هي الحل الوحيد للعنف المتواصل الذي يرتفع منسوبه وينخفض حسب النقطة التي تقع فيها دوامة المشاعر، في وقت معيّن.
ما يجب علينا أن نفعله هو أن نعود إلى المفاوضات مع إسرائيل، وفي نفس الوقت مواصلة الاعتراض على السياسات الاسرائيلية الهادفة إلى مواصلة النشاط الاستيطاني وبناء المستوطنات التي تعتبرها كل القوانين الدولية وجلّ القوانين الامريكية غير قانونية. هذا يعني أن اسرائيل عليها أن تتخلى عن مطالبها وأن تعود هي أيضا إلى طاولة المفاوضات، وأن تتوقف عن استخدام حماس كذريعة للمماطلة ورفض التفاوض.
ليس على إسرائيل أن توقف النمو البطيء للمستوطنات، وليس على الفلسطينيين أن يوقفوا خطابهم الذي يكشف العنف الاسرائيلي وسلوكها غير الأخلاقي. أما فيما يتعلق بالعنف، فإنه علينا مستقبلا أن نقبل بأنه سيكون حاضرا ولن يختفي قبل أن يكون هناك دولتان ذات سيادة.
وسيسارع المعلّقون الاعلاميون إلى استخلاص أن العبء الأكبر سيقع على الفلسطينيين بقبول العودة إلى المفاوضات مع استمرار النشاط الاستيطاني غير القانوني، لكن العبء الحقيقي سيكون على إسرائيل.
وبينما تتجه دوّامة المشاعر نحو مرحلة من الأمل تنبع من تعاطف أوباما مع قضية الفلسطينيين، وهو يُدرك مدى معاناتنا، بجب على الفلسطينيين أن يمدّوا يدهم لاستئناف محادثات السلام، وأن يظهروا للعالم أنهم الشعب الأكثر شهامة.
فكلّ ما يُمكن أن يحدُث هو أن تفشل محاولات السلام، ونعود كما كنا دائما، نواجه المجهول والعنف والمزيد من الدماء. عندما يلُوح السلام في الأفق، علينا أن لا نُدير ظهورنا، أبدا.
راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. يمكنكم التواصل معه على www.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania
Categories: Arabic, Middle East Topics
Leave a Reply