Democracy is never perfect (Arabic) لا تكون الديمقراطية كاملة أبدا

لا تكون الديمقراطية كاملة أبدا

بقلم راي حنانيه

إن الإفراط لا يتوقف في حدود الكلمة في العالم العربي بل هي علامة متجذرة في ذهنية الانسان العربي.

فالعرب يغذون “الافراط” عن طريق المشاعر، التي هي فياضة في العالم العربي أكثر من فيضان النفط.

والعرب لا يتوقفون في حدود الانتقاد، بل غالبا ما نذهب به إلى حدوده الهدامة. علينا إذا أن نتعلم كيف نتوقف وندرك ماهية الانتقاد، ألا وهي ذلك العنصر المجتمعي الهام في النظام الديمقراطي.

وتمر الديمقراطية من تجربة عسيرة في الشرق الأوسط، وهي تمرّ الآن من تجربة قصوى من المرجح أن تستمر وتتكرر في المستقبل.

ولم تنجح في فلسطين ولا في مصر بعد. وهي لا تعمل بشكل جيد في إسرائيل، وهي التي يقع التبجح بها خطئا ومناورة على أنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.

فالديمقراطية ليست نتيجة في حدّ ذاتها، بل هي صيرورة وطريق ممتدة تستمرّ في التحسّن دون أن تصل أبدا إلى حدّ الكمال. وهي أيضا تحتاج إلى وقت لتنجح. أما في الشرق الأوسط، حيث المشاعر هي التي تحدد السياسات أما الاستراتيجية فليست سوى عملا نظريا للإنشاء الأكاديمي. لم تحظى الديمقراطية بما يكفي من الوقت بعد.

الديمقراطية لا تصل إلى حد الكمال ولم تكن أبدا كاملة. فالنظام الديمقراطي تشوبه شوائب، ولكن يبقى أفضل من غياب الديمقراطية.

ومن بين الناس الذين ينسون أن الديمقراطية بها شوائب هم الأمريكيون، الذين يقبعون في برجهم العاجي ويوجهون استيائهم الاخلاقي للآخرين. وعلى العرب أن يتذكروا ذلك عندما يستمعون للانتقادات الأمريكية.

وليس الأمريكان أفضل من غيرهم، ولكنهم غالبا ما يحاولون إعطاء الدروس للآخرين دون أن يطبقوا هم أنفسهم ما ينادون به. صحيح أن الديمقراطية من شأنها أيضا أن تُنمّي ذلك النوع من الغطرسة، أحيانا.

منذ إجراء أول انتخابات ديمقراطية حقيقية في مصر لم تتوقف حملة الانتقادات الموجهة ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا، محمد مرسي.

مرسي ليس كاملا، ولكنه “أفضل” ممن كان يرأس المصريين قبله.

وذلك كل ما تقدمه الديمقراطية للمواطنين، أي فرصة أن نأتي بمن هو “أفضل”. وستواصل الديمقراطية في التحسن إذا ما أُعطيت الفرصة، ولكنها قد لا تفي بالوعد الذي يجعل منها شعبية ومطلوبة من ضحايا القمع.

والرئيس مرسي هو رجل سياسة بالمعنى الديمقراطي بامتياز. يفتقد إلى رحابة الصدر، ولا يقبل الانتقاد لأنه لا يفهم أن الانتقاد هو أمر مهم في تحقيق الديمقراطية. وكغيره من العرب، اعتاد مرسي على الانتقاد في السياق القديم، أي سياق الدكتاتورية التي مارسها سلفه حسني مبارك، وقبله الرئيس الراحل أنور السادات صانع السلام الفاشل، وقبلهما القومي العربي الفاشل جمال عبدالناصر.

الانتقاد أمر هام في الديمقراطية. أما في الدكتاتورية، يكون الانتقاد تحريضي يؤدي إلى التمرد والثورة وبالتالي يهدد الدكتاتورية، التي تسارع إلى إسكاته. أما الديمقراطية الحقيقية فلا تسعى إلى إسكات الانتقاد.

لقد أدى انتقاد مبارك إلى إسقاط دكتاتوريته، ولكن انتقاد مرسي يجب أن يُفضي فقط إلى فتح حوار عام ونقاش داخل المجتمع. ويمكن لهذا النقاش أن يكون حماسيا ومليئا بالمشاعر. لكن المشاعر يجب أن تبقى تحت السيطرة. غالبا ما يصل الانتقاد من طرف النشطاء إلى حدود أبعد من مجرد النقاش العام العقلاني، وغالبا ما يكون هدّاما. وذلك النوع من الانتقاد يتجاوز كل الخطوط الحمراء ويجب محاسبة المتطرفين الذين يدعون إلى إسقاط الديمقراطية، ولكن محاسبتهم بالأساليب القانونية.

إن القائد في النظام الديمقراطي يتقبل الانتقاد المشروع ليس على أنه ثلب وشتم بل على أنه ممارسة لأحد أهم أركان الديمقراطية وهي “حرية التعبير”.

ما يحتاجه الشرق الأوسط هو “حرية التعبير” أكثر من حاجته للديمقراطية. وإذا ما كانت حرية التعبير غائبة، فإن الشعب لن يحظى أبدا بالديمقراطية الحقيقية، كما نراه في مصر حيث تلجأ السلطات المصرية إلى جرجرة المعلق التلفزيوني باسم يوسف أمام القضاء ليشرح انتقاداته للرئيس مرسي.

ولو كان مرسي ديمقراطيا محنّكا يفهم ماهية حرية التعبير لكان تجاهل أراء باسم يوسف لأنها لا تعدو أن تكون مجرد آراء ليس إلا. حتى وإن كانت آراء حانقة.

لكن بعدم تجاهل تلك الآراء، أعطى مرسي المزيد من القوة لصوت باسم يوسف المنتقد وأضفى عليه المصداقية. وقد غذى ذلك عدم الاستقرار السياسي في مصر وأعطى المزيد من الذخيرة لمنتقدي الرئيس، الذين هم في الحقيقة أخطر على الديمقراطية من الاخوان المسلمين، الذين يمثلون القاعدة السياسية للرئيس مرسي.

والحقيقة أن منتقدي مرسي يفعلون ذلك من منطلق عقلية المناخ الديكتاتوري. هم يتصرفون وكأنهم يناضلون ضد دكتاتور، لأنهم تعودوا على ذلك. ليست لديهم خبرة في الحرية ولا في حرية التعبير. وهم يقعون تحت طائلة المشاعر، وكل ما يجيدون فعله هو إشعال نيران تلك المشاعر، لأنهم لا يعرفون سلوكا غير ذلك في نطاق النشاط والتمكين السياسي.

ما يسعى إلى تحقيقه منتقدو مرسي هو إجهاض ما أطلقته الديمقراطية. فهم يريدون الحرية بالاستناد على ما يخدم مصالحهم فقط وليس ما يخدم مصلحة المجتمع المصري ككل.

الديمقراطية فيها نواقص، وهذا يعني أن كل شيء لن يكون على ما يرام. ستستمر المظالم والجرائم، وسينمو النفاق كما هو الحال في أمريكا التي تتشدق بأنها “الطفل المثالي” بين الأمم الديمقراطية.

الديمقراطية الأمريكية تشكو من نواقص، وحرية التعبير فيها ليست كاملة. ولكن الديمقراطية في أمريكا سبقت الديمقراطية في مصروفي دول الربيع العربي بـ237 سنة. ولكن عوض أن يعترف الأمريكيون بأن أمريكا كانت منذ 237 تعيش في حالة أشد سوءا مما تعيشه مصر اليوم، يواصل الأمريكيون إلقاء الخطب والمحاضرات من منطلق الاعتداد بالنفس. يعتقد الأمريكيون أنهم أفضل من كل الآخرين، خصوصا المسلمين.

ولكن الحقيقة هو أنه حتى في الديمقراطية الأمريكية حدثت بعض أفظع الممارسات العنصرية والفساد السياسي والرقابة. وقد كانت اضطهاد المرأة شديد البشاعة في بداية الديمقراطية الأمريكية ولم يفتح الباب أمام المساواة سوى في الأجيال الماضية القريبة.

يجب أن نعطي فرصة للديمقراطية. ولن تصبح الديمقراطية واقعا حقيقيا في مصر والشرق الأوسط إلا بعد أن ينتخب الشعب قياداته ثم ينتخب غيرهم وغيرهم مرارا وتكرارا.

أما عن الرئيس مرسي، فالقائد الحقيقي هو الذي يقبل الانتقاد، حتى وإن أتاه ممن هم أكثر المنتقدين إقصاء.

راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. اتصلوا به على موقع www.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania



Categories: Arabic, Middle East Topics

Tags: , , , , , , , , , , , , , ,

Leave a Reply

Please log in using one of these methods to post your comment:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: