إنقاذ فلسطين : الجزء الثالث
Saving Palestine Part 3
بقلم راي حنانيه
إن التطورات الجارية في المأساة المصرية حيث تنهار الديمقراطية لهي تذكير بواقع الشعوب العربية. نحن نُجيد الاحتجاج والشكوى والرفض والهدم، ولكن هل نُجيد البناء كشعب واحد؟
يرفض العرب فكرة الفشل ونزعم أن فشلنا غير موجود. نحن نُخفي فشلنا بالأعذار وتحميل المسؤولية لغيرنا.
نحن نطالب بكل شيء أو لا شيء، وغالبا ما ينتهي بنا الأمر إلى لا شيء.
25 مليون مصري انتخبوا محمد مرسي رئيسا لمصر عبر انتخابات ديمقراطية. لكن الكثيرون لم تُعجبهم سياسات مرسي فخرجوا إلى الشوارع، وتخلوا على العملية الديمقراطية ليحققوا من خلال العنف ما لم يستطيعوا تحقيقه عبر صناديق الاقتراع.
وكانت الديمقراطية التي هب الجيش المصري لهدمها تقتضي أن يترشح مرسي للانتخابات مرة أخرى بعد 3 سنوات من الآن، وكانت هي الطريقة الأنسب لتغييره.
ولكن لا يستطيع الجميع في مصر أن ينتظر حتى تسير العملية الديمقراطية مجراها.
وتطرح مصر قضية هامة تنطبق على كل العرب بما فيهم فلسطين. ولأن تاريخ العرب حافل بالقمع والاحتلال على مدى أجيال عديدة، أصبح بذلك فهمنا للحرية مغلوطا. يعنى أننا بدل أن نحتكم إلى حكم الأغلبية، يحكمنا من منّا له الصوت الأعلى وتلك الأطراف الأكثر تطرفا.
كل شيء في العالم العربي يسير على أساس القبليّة، وعلى أساس حكم الأقلية، تلك الأطراف الأكثر نفوذا وامتيازات، أو عناصر المجتمع الأكثر تطرفا، وليس حكم الأغلبية الساحقة. جوهر الواقع العربي ينبني على مبدأ “الديمقراطية للأقلية الأعلى صوتا”.
لقد سبق أن رأينا المأساة المصرية في مأساة فلسطين، حيث سرعان ما أتت الديمقراطية واختفت بنفس السرعة التي اختفى بها الأمل في السلام.
وينبع رفض العرب للعقلانية من سنين القمع الطويلة التي عانوا منها، تلك التي أنشأت أمما قبليّة يحكمها زعماء أقوياء مسلحون. ونتج عن عدم قدرتنا على التوصل إلى التوافق وصول المستبدّين إلى سدّة الحكم، كما في سوريا وفي العراق.
أما الموضوع الوحيد الذي يتمكن العرب من التعبير عنه فهو فلسطين. لهذا السبب، لن ينعم أيّ عربي بالديمقراطية حتى تأتي الديمقراطية إلى فلسطين. ما دُمنا لم نُحرر فلسطين، لن نستطيع تحرير أي بلد عربي.
وعلى العرب والفلسطينيين أن يتجاوزوا تلك الأقليات الصغيرة من المتطرفين والرافضين الذين يُجيدون الهدم والتخريب والادانة والمعاقبة والإضعاف من خلال العنف والاحتجاج والعصيان، وتغييرهم بالأغلبية التي تقف جانبا والتي تخاف من عمل ما يجب عمله.
يتعيّن على الأغلبية أن تهبّ لإسكات المتطرفين. كما عليها أن تتوحّد للشروع في البناء، وعليها أيضا أن تختار المستقبل، بدل أن تعيش في ماضٍ غير موجود أصلا.
كيف نُنقذ فلسطين؟
بداية، علينا أن نتجاوز الكراهية التي نشأت عندنا من جراء الغضب. علينا أن نتعلم كيف نكون منتجين بدل أن نكون مُخرّبين. علينا أن نرفض المفهوم العربي القاضي بأن “الكلّ” الذي يستحيل تحقيقه أفضل من “البعض” الممكن. لأننا دائما نحصل على “لا شيء”، ويجدر بنا أن نحصل على “بعض الشيء”.
لقد تجلّى مستقبل مصر في صناديق الاقتراع الفلسطينية سنة 2005، حين انطلقت الجهود الحقيقية الأولى لإرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط.
ولكن النتائج لم تُعجبنا، واقتتل الفلسطينيون خارج العملية الديمقراطية.
ما كان يجب أن يحصل بعد هروب الاسرائيليين من غزة هو أن تتحول غزة إلى اللبنة الأولى للدولة الفلسطينية. لكن ما حدث هو أن تنازع “القادة” الفلسطينيون على السلطة، في تناقض مع نتائج العملية الديمقراطية.
ذلك ما يحدث في مصر.
كان من الممكن أن ينطلق الفلسطينيون في بناء الدولة من غزة وصولا إلي مناطق من الضفة الغربية. ولا تزال الامكانية قائمة.
لكن المتطرفين والمتشددين يحولون بيننا وبين تحقيق ذلك.
أغلبية الفلسطينيين تدعم حلّ الدولتين. لذلك يجب على تلك الأغلبية أن تفرض سلطتها على الاقلية. علينا أن نواجه بقوة أولئك الذين يلجؤون للعنف والتطرف والارهاب، لمنع تحقيق إرادة الأغلبية.
ويحتاج الفلسطينيون والمصريون وسائر العرب إلى استراتيجية مبنيّة على الأمل وليس على الرفض.
ينبغي على الفلسطينيين أن يقبلوا بإنشاء الدولة على أية مناطق محررة من نير الاحتلال الاسرائيلي الغاشم.
لن نكون قد حققنا كل شيء، لكننا سنحقق بعض الشيء، نستطيع انطلاقا منه أن نشرع في البناء.
ويرفض الكثيرون هذه الاستراتيجية التي يعتبرونها “تجزئة المجزّأ”. ويقولون أن هذه الخطوة ستشجع إسرائيل على الاستمرار في خرق القانون الدولي.
لكنني مؤمن بقوة العدالة وسلطان القانون والمبادئ والديمقراطية. وأنا مؤمن بأن الجوهر العربي ليس ذلك الذي نراه في أفعال المتطرفين من عنف وكراهية ورفض.
أنا على يقين أنه مع إنشاء دولة فلسطين، فإن الديمقراطية فيها ستنتشر على مدى الشرق الأوسط، ليس في إسرائيل فقط، حيث سياسات الفصل العنصري تعزل اليهود عن “غير اليهود” (وهو تعبير كريه ابتدعته إسرائيل)، ولكن أيضا في مصر وغيرها من مناطق العالم العربي.
يجب أن تكون لنا الثقة في أنفسنا بأن نجاحنا سينتشر كموجة حرية ليس فقط في فلسطين بل وحتى في إسرائيل. عندما نسمح للحرية أن تنمو، فإنها تكون لها قوة دافعة لا يُمكن إيقافها بسهولة، كل ما تزايد زخمها.
عندما تكون لنا دولة، فإن ذلك يضع حدّا لتحكم إسرائيل في قدرنا.
إن الاستراتيجية الحقيقية الوحيدة لإنقاذ فلسطين هي أن نُثبت للعالم أننا ديمقراطيون، لا مكان بيننا للكراهية والعنف، وأننا قادرون على البناء بدل التخريب.
يجب علينا أن نؤسس دولتنا، أينما كان، ومهما كان حجمها، لننطلق في البناء بعد ذلك.
أنا متأكد أن العدالة في فلسطين هي قوة عاتية، إذا ما نزعنا عنها المتطرفين الذين اختطفوها. وأنا متأكد أيضا أن فلسطين، إذا ما وُجدت كأمة حرة، وإذا ما اجتهدنا في إبراز تفوقنا على الآخرين، فإن نجاحنا سينتشر وسيخلق ربيعا عربيا حقيقيا عبر إسرائيل وسائر الشرق الأوسط.
إن الربيع العربي يأتي من الإنجازات البناءة، ولا يأتي من الغضب الهدّام ولا من العنف والاحتجاجات والكراهية.
راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. اتصلوا به على موقع www.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania
Categories: Arabic
Leave a Reply