مصر تُثبت أن الديمقراطية الغربية لا تصلح للعالم العربي

مصر تُثبت أن الديمقراطية الغربية لا تصلح للعالم العربي

Arab World not ready for Democracy

بقلم راي حنانيه

لم تكن مصر بحاجة لأن تُصبح آخر شعب على وجه البسيطة يكتشف أن الديمقراطية الغربية لا تصلح دائما في الشرق الأوسط.

والحقيقة هي أن العرب ليسوا جاهزين للديمقراطية. فقد عاشوا منذ قرون طويلة إمّا تحت نير مستعمِر أجنبي، أو مُتسّلط، أو مستبدّ، نصّبه الغرب عليهم.

فكيف لعربيّ حينئذ أن يعتقد أن نظاما أسّسه ذلك الغرب نفسُهُ سيعطيه حريات أكثر من التي كانت لديه عندما كان يرزح تحت أقدام المستعمر العسكري الغربي؟

يرى البعض أن هذه نظرة عنصرية، وأن غالبية العرب “سريعو الانفجار” ويسهل استفزازهم ويغضبون بسرعة. نحن عاطفيون أكثر من اللازم. وأحيانا تُحركنا مشاعرنا بدلا عن التفكير العقلاني. نحن نرفض التنازل ونطالب “بكل شيء أو لا شيء”.

هذه العادات الثقافية ليست أصيلة في الثقافة العربية ولكنها نتجت عن سنين طويلة من القمع تحت أقدام المستبدّين والدكتاتوريين.

لم يكن العرب أحرارا أبدا، فكيف ننتظر منهم أن يتعاملوا بشكل ديمقراطي، عندما تطرق الحرية أبوابهم؟

لقد كان شعار “الربيع العربي” الحرية، لكن الحرية لا تعني وجوبا ديمقراطية عربية. فيمكن للحرية أن تعني نقطة وسطا بين الديمقراطية والاستبداد. وهذا هو ما يحدث في مصر، التي انتقلت من الاستبداد تحت الجنرال حسني مبارك إلى الديمقراطية تحت أول رئيس منتخب بكل حرية، محمد مرسي.

ولكن العسكر وبعض ملايين المصريين لم يكونوا سعداء بنتائج الديمقراطية. واجتمعت نفس تلك الأعداد التي صوّتت أو دعمت مرشحين آخرين وخرجت إلى الشوارع من جديد للمطالبة بخلع المرشح الذي وقع انتخابه بحرية من طرف أغلبية المصريين، محمد مرسي.

الاحتجاجات أمر معتاد في الديمقراطيات، ولكن التغيير لا يحصل بالبندقية كما حصل في مصر، عندما أقدمت المؤسسة العسكرية المصرية، والتي يقع تمويلها بشكل شبه كامل عن طريق المساعدات الأمريكية التي تبلغ مليارا ونصف المليار دولار سنويا، على انتهاك الديمقراطية واعتقال محمد مرسي.

وهكذا رأينا كيف أن نفس المحتجين الذين كانوا يطالبون بإنهاء حكم المجلس العسكري التابع لمبارك منذ سنتين، يخرجون الآن للاحتفال بالانقلاب العسكري الذي أسقط الحكومة المُنتخبة ديمقراطيا.

لقد كان من السهل على الأمم الغربية أن تكره مرسي، لأنه ينتمي إلى الاخوان المسلمين، وهي تنظيم إسلامي أكثر محافظة. لقد كانت مصر تقليديا البلد العربي الأكثر علمانية. وكان تنظيم الاخوان المسلمين تحت الديكتاتوريات ممنوعا من أيّ نوع من أنواع المشاركة السياسية.

وتغيّر الوضع إبان الربيع العربي. ووُضع مبارك وأزلامه في السجن. وسُمح للإخوان كغيرهم من الأفراد والمنظمات أن يشاركوا في “مصر الجديدة” بعد الربيع العربي، وأن ينشطوا سياسيا طالما التزم الجميع بنبذ العنف والتعبير السلمي على الرأي، وأطلّت الحرية على الجميع.

ولكن بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تفضلان الديكتاتورية العربية على الديمقراطية العربية، للحفاظ على معاهدات السلام غير العادلة ولمواصلة القبض على حرية الفلسطينيين، تدخّل الجيش المصري، واستغل غضب المصريين الذين لم يذوقوا طعم الديمقراطية من قبل كذريعة للاستيلاء على الحكم.

وعيّنوا أزلامهم في منصب الرئيس ورئيس الحكومة، وهم أشخاص لم يقع انتخابهم إلى أية وظيفة. وبدأ الجيش المصري يُطلق النار ويُردي المحتجّين الذين يعارضون إملاءاته.

وقد قتل الجيش المصري الأسبوع الماضي 50 من نشطاء جماعة الاخوان المسلمين بينما كانوا يتظاهرون بشكل سلمي أمام المقر الذي يحتجز فيه الجيش الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، في اعتداء صارخ على أول دستور ديمقراطي للبلاد.

لم يدّعي أحد أن الديمقراطية ستكون مثالية. وبكل تأكيد، يمكن للشعب المصري أن يكتشف أن أول رئيس ينتخبونه بشكل ديمقراطي ليس هو الشخص المناسب للوظيفة. ويتطلب الأمر سنوات من الممارسة والتجربة لفهم واستيعاب أساسيات الديمقراطية.

ولكن مرسي لم يحض بفرصة أن يُصبح رئيسا جيدا. فمنذ اليوم الأول، انتهك معارضوه أول مبدأ من مبادئ الانتخابات الديمقراطية، وبدأوا في الاحتجاج ضده ومعارضة حكومته.

ومن الواضح أن هؤلاء النشطاء المتطرفين يحبّون النشاط أكثر مما يحبون الحرية. وهذه سمة يشكو منها الفلسطينيون. فالنشطاء الفلسطينيين يفضّلون الاستمرار في حرب دائمة ضد إسرائيل بدل الحصول على الحرية، لأن الصراع يعطي معنى لوجودهم. وبدون الصراع، تنتفي أسباب وجود المتطرفين، ويُصبحون بلا عمل.

وهذا تماما ما حصل للنشطاء المصريين، الذين وجدوا أنفسهم بلا عمل بعد انتهاء الانتخابات، وبعد أن أصبح مرسي أول رئيس منتخب. وهذا أمر لم يُعجبهم.

أما الدرس الأهم الذي فشل الربيع العربي في إيصاله للشعب العربي حول الديمقراطية، هي أن هذه الأخيرة ليست هدفا في حدّ ذاتها، بل هي صيرورة. وكان على مرسي أن يترشح لمنصب الرئاسة من جديد بعد 3 سنوات، كما تقتضي العملية الديمقراطية، وكان بوسع الشعب المصري حينها أن يرفض مرسي على الطريقة الديمقراطية، وأن يعوّضه برئيس آخر.

ولكني أعتقد أن المحتجّين كانوا يعلمون أنهم ليس لديهم أغلبية الأصوات، وكانت الطريقة الوحيدة لجمع الأغلبية هي عن طريق التظاهر في الشارع والرمي بالديمقراطية عرض الحائط، وتنصيب القادة الذين يريدونهم، تماما كما فعلوا.

وقد أدى فشل الديمقراطية في مصر إلى دعم موقف المستبدين مثل ديكتاتور سوريا المتغطرس بشار الأسد، حيث أقدم جيشه على قتل أكثر من 100 ألف مدني سوري. وربما تُقدم “الديمقراطية” المصرية على نفس العمل في السنوات القليلة القادمة، بينما يواصل مساندو مرسي وبكل أحقّية، المطالبة بحقوقهم التي وقع مصادرتها من طرف العسكر.

كما أن فشل الديمقراطية في مصر قد أدى أيضا إلى تعزيز أنظمة شبه ديمقراطية مثل تلك الموجودة في الأردن ودول الخليج، حيث تقبض الملكيات على الحكم المطلق، وتسمح بحدّ معيّن من الحريات عن طريق أنظمة برلمانية وانتخابات.

وفي الحقيقة، حتى في أمريكا التي تدّعي أنها صاحبة الراية الذهبية في الديمقراطية، فإن الديمقراطية ليست حرة تماما. فالمنظومة مُصمّمة بشكل يمنع الأقليات والأشخاص من خارج بوتقة السلطة من الوصول إلى الحكم. والمنظومة تُقصي المجموعات الأقلية من الوصول إلى السلطة، من خلال “استبداد الأغلبية”.

ويتعرض العرب الأمريكيين إلى الاضطهاد وتُنتهك حقوقهم باستمرار، كما أن جرائم الحرب التي تقترفها إسرائيل، وهي حليفة أمريكا، في انتهاك سافر للقوانين الدولية، تحظى بتشجيع النظام الديمقراطي الأمريكي.

الديمقراطية للعالم العربي؟ لا تُضيعوا وقتكم.

راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. اتصلوا به على موقع www.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania



Categories: Arabic

Tags: , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,

Leave a Reply

Please log in using one of these methods to post your comment:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

%d bloggers like this: