عيد الميلاد مناسبة صعبة للمسيحيين الحقيقيّين
بقلم راي حنانيه
Christmas difficult time for true Christians
عيد الميلاد مناسبة صعبة للمسيحيين الحقيقيين، ولكن صعوبتها لا ترتبط بشكل كبير بالعقيدة بقدر ما ترتبط بالمقابل المضادّ لها والذي ابتدعه “المسيحيون” العلمانيون الذين يعشقون الحياة المسيحية بينما يتجاهلون ممارسة المبادئ الجوهرية للمسيحية.
وبالنسبة للكثيرين من هؤلاء تحوّلت مناسبة الميلاد إلى فرصة للتملّك، وشراء الهدايا، وزينة تخلو من أية معان في العقيدة المسيحية سوى أنها تحولت إلى تقاليد في الاحتفال العلماني.
أمّا أنا فأعتبر أن المسيحيّ الحقيقيّ هو ذلك الشخص الذي يتقبّل التعاليم الجوهرية التي أتى بها يسوع، الذي يعتبره المسلمون نبيّا، ويعتبره أتباعه المسيح، وتعتبره الديانة اليهودية زنديقا. هذه التعاليم التي ترتكز على الرحمة والصدق.
وأول اختبار للصدق هو أن ننظر نحو مدينة بيت لحم، مسقط رأس يسوع، وأن نبدأ العملية من هناك.
فهل يهمك أن تعرف أن بيت لحم تقع تحت الحصار والقمع الاسرائيلي؟ هل يُقلقك حال المسيحيين الذين يعيشون هناك في الأرض المقدسة، منشأ المسيحية الأوّل؟
أم أنّ عيد الميلاد هو مجرّد فرصة لإنفاق الأموال لشراء الهدايا وتقديمها لأفراد أسرتك وأصدقائك، وربما التبرّع لمساعدة المحتاجين، وهو تبرّع عادة ما يُقدّم خلال الأعياد، وهو لا يُمثّل روح “العطاء” الصادقة على مدار السنة لمن هو مُحتاج؟
أنا أعلم أن غالبية الأمريكيين يعتبرون أنفسهم مسيحيين، ولكني عندما أراقبهم يولون ظهروهم لإخوتهم في المسيحية الذين بقوا في الأرض المقدسة ويرزحون تحت القمع الاسرائيلي، لا يسعني إلا أن أتساءل عن مدى صدق اهتمامهم بالأمر.
الأسبوع الماضي، تقدّم شخص مسيحي فلسطيني اسمه حنا سويد، وهو من الذين قبِلوا بإسرائيل كدولتهم إلى حدّ أنه أصبح عضوا في الكنيسيت، تقدّم بطلب من رئيس الكنيسيت أي السلطة التشريعية الاسرائيلية، بطلب أن تُتصب شجرة الميلاد في ساحة الكنيسيت.
وما كان من رئيس الكنيسيت يولي إيدلشتين إلا أن رفض الفكرة واصفا إياها “بغير اللائقة”.
وكأمريكي، تذكرت مباشرة ما يحدث هنا في الولايات المتحدة هذه البلاد المسيحية، التي تسمح دائما بعرض الرموز اليهودية والاسلامية في الأماكن الحكومية، دون أن تكون الحكومة راعية لها، بل هي دائما مبادرات من المواطنين.
وكل سنة يُنصب الشمعدان أو المنارة اليهودية في ساحة مبنى مقاطعة كوك أمام قصر المدينة وكلاها مبان حكومية. كما أنهم يسمحون بنصب المغارة ولو أنها سُرقت في أحد الأعوام. كذلك يقيم المسلمون صلوات رمضان وينظم مسؤولون حكوميون في كل مستويات الدولة احتفالات بالعيد وموائد إفطار احتفاء بالأعياد الدينية الاسلامية.
ولكن في إسرائيل التي تزعم أنها أقرب حلفاء أمريكا وأنها دولة ديمقراطية، لا يمكن لمسيحي أن ينصب شجرة الميلاد في ساحة الكنيسيت.
وفي مدينة بيت لحم القريبة من هناك، استولى المستوطنون الاسرائيليون على بيوت وأراضي من أصحابها المسيحيين والمسلمين. منذ أن احتلت إسرائيل بيت لحم والمثلث المسيحي بين بيت ساحور وبيت جالة سنة 1967، قُتل أكثر من ألف مسيحي على يد الجنود الاسرائيليين مع عشرات الآلاف من المسلمين.
وتتعرض الأرض التي تملكها أسرتي قرب القدس لنفس الخطر الذي تتعرض له أراضي غيرنا من المسيحيين والمسلمين، أمام زحف المستوطنين الاسرائيليين.
ولا يزال المواطنون المسيحيون في إسرائيل يتعرضون للإهانة باعتبارهم مواطنين درجة ثانية، ولا يقع الاعتراف لهم بأية حقوق أساسية في إسرائيل نظرا لدينهم، تماما كما يتعرض المسلمون للانتهاكات بشكل أكبر. كما تتعرض مدينة الناصرة، حيث نشأ وعاش يسوع قبل صلبه في القدس، إلى نفس الانتهاكات الاسرائيلية. ورغم أن سكانها يُسمّون “مواطنين اسرائيليين”، لكنهم مواطنون غير يهود ولا يتلقون سوى القليل من الدعم المالي الحكومي مقارنة بمستوطنة الناصرة العليا، حيث يعيش الاسرائيليون اليهود في مستعمرة خاصة بهم دون غيرهم.
صحيح أيضا أن المسيحيين يعانون على يد المسلمين في فلسطين وفي العالمين العربي والاسلامي. وقد أصبحت مدينة الطيبة، وهي القرية الفلسطينية الوحيدة التي لا يسكنها سوى المسيحيون، هدفا من أهداف المسلمين المتعصبين. ولكن العالم العربي والاسلامي على الأقل أدان العنف ضد المسيحيين على يد هؤلاء المتعصبين.
في المقابل، فإن معظم الاسرائيليين لا يأبهون. والأدهى من ذلك هو صمت مسيحيي الغرب ومنهم أمريكا أمام قمع إخوتهم وأخواتهم على يد الاحتلال الاسرائيلي.
وإن كان هناك من مكان يتعين على المسيحيين أن يناضلوا فيه من أجل الحرية، فإن ذلك المكان هو مولد يسوع المسيح، بيت لحم.
ولكنهم لا يفعلون. بل يجلس الأمريكيون حذو شجرة الميلاد، التي هي في الحقيقة ليست رمزا دينيا مسيحيا بقدر ما هي تعبير عن الاتجار بدين المسيح. ثم يفتحون هداياهم وينشدون الترانيم ومن بينها تلك التي تتغنى “بقرية بيت لحم الصغيرة”.
إن المسيحيين الأمريكيين لا يدركون الرابط بين ما يعبدون وبين واقع ديانتهم.
يتعرض المسيحيون إلى الاضطهاد في إسرائيل. تُنزع منهم أراضيهم وحقوقهم. يمارس ضدهم القمع في إسرائيل. ولكن المسيحيين الأمريكيين لا يأبهون.
وتسعى إسرائيل إلى الحفاظ على الأمر على ما هو عليه، وهي تزعم أنها جنة للمسيحيين في وسط جحيم العالمين العربي والاسلامي. ولكنها ليست جنة.
لذلك أنا أستغرب رفض إيدلشتين السماح بنصب شجرة عيد الميلاد في ساحة الكنيسيت، رغم أن الشجرة ليسا رمزا دينيا للمسيحية. كما أن هذا غريب لأني كنت أعتقد أن إسرائيل كانت ستقفز على الفرصة وتنصب الشجرة لتُظهر مدى اهتمامها براحة مواطنيها المسيحيين.
إن رفض إيدلشتين السماح بنصب الشجرة يُظهر الأمور على حقيقتها، وهي أن إسرائيل تحقد على المسيحيين بنفس القدر الذي تحقد فيه على المسلمين.
الأمر يتعلق بالسيطرة على الأرض. إسرائيل ترغب في الاستيلاء عليها وهي سعيدة برؤية المسيحيين يختفون. لأنهم عندما ينقرضون من الأرض فإن سياسات إسرائيل تجاه الأقليات ستصبح أكثر شراسة.
عيد ميلاد مجيد للجميع، لا سيما وبالخصوص إلى مسيحيي فلسطين الذين يعيشون مرة أخرى حقبة اضطهادهم الأول.
راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. اتصلوا به على موقع www.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania
Categories: Arabic
Leave a Reply