على مسيحيّي الشرق الأوسط أن يحددوا صوتهم بأنفسهم
بقلم راي حنانيه
Middle East Christians must define their own voice
(Click here to read column in English)
شجّعني تدخّل البابا فرنسيس في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي المتواصل والمستمر منذ 66 عاما على كتابة هذا المقال.
فبزيارته لفلسطين وإسرائيل والأردن الشهر الماضي، أثار البابا موجة هامة حرّك بها الوضع الراهن وهو ما فشل فيه تحقيقه الدور الأمريكي الذي يدّعي الحياد، إذ اقترح البابا عبارات التوازن والعدالة.
سلط البابا فرنسيس الضوء على فلسطين عندما أشار إلى “دولة فلسطين” خلال قُدّاس مسيحيّ أقامه في بيت لحم، مهد المسيحية المهجور.
كما صلّى البابا ودعا عند الجدار العازل الذي يصفه المنتقدون العرب بأنه جدار التفرقة العنصرية بينما يُصرّ اليمين الاسرائيلي على أن الجدار يقي اسرائيل من الارهاب العربي.
وللأمانة، يُمكن أن نقول أن عملية السلام، رغم فشلها في تحقيق السلام، قلّصت من حدّة الارهاب. ويبقى الجدار مجرّد سعي اسرائيلي آخر لسرقة المزيد من الأراضي وآبار المياه والممتلكات من أصحابها لتوسيع حدود اسرائيل.
وتنفيذا لوعده في بيت لحم، نظّم البابا فرنسيس هذا الأسبوع لقاءا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الاسرائيلي المتقاعد شمعون بيريز الذي يُعتبر معتدلا وعادلا وعقلانيا أكثر من رئيس الوزراء الاسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو، الذي قاوم استقلال فلسطين طول حياته.
وقد شارك في الاجتماع رئيس الكنيسة الأرثودوكسية البطريرك المسكوني برثلماوس الأول.
ليس هناك من يتوقع معجزات إن قامت اسرائيل في العديد من المناسبات بتقويض السلام عن طريق توسيع المستوطنات وإلحاقها عددا أكثر من الأراضي الفلسطينية. لذلك فإن تحقيق السلام سيكون أصعب على أرض الديانات الثلاث المتلاقحة فيما بينها، وحيث يتناحر المسلمون واليهود والمسيحيين ويدّعي كلّ منهم أنه هو الأصل والأصول.
لكن هذه هي المرة الأولى التي ظهر فيها صوت المسيحيين المهمّشين والمستغَلّين من جميع الأطراف. تضطهد إسرائيل كل من هو غير يهودي، إلا المسيحيين الذين أطلقت من أجلهم حملة محاولة بذلك إغرائهم لإبعادهم عن الحركة المساندة للفلسطينيين والتي يسيطر عليها المسلمون المتطرفون. وهذا جهد يجد آذان صاغية، لأن العرب المسيحيين مضطهدون في كل بلد عربي، بما في ذلك فلسطين بالرغم من إصرار المسلمين الشديد على إنكار ذلك الاضطهاد.
جميع الدول العربية تُقرّ بأن الاسلام دينها الرسمي، مع تأكيدها على العدل والمساواة في معاملة الأقليات الدينية الأخرى. ورغم ذلك يستمر العنف ضد المسيحيين في سوريا ومصر والعراق ولبنان والأردن، وبدرجة أقوى وأشدّ في أصعب الدول الخليجية كالسعودية واليمن.
تجري العادة على أن يطلب العرب المسيحيين الحماية من القادة الدكتاتوريين الذين يكرهون المتطرفين بشدة. هذا هو سبب دعم المسيحيين للدكتاتورية في مصر وسوريا، وهذا هو سبب رفضهم للوعود الكاذبة بالديمقراطية التي كان يُفترض أن يجلبها “الربيع العربي” الفاشل. ليس هناك ربيع عربي، بل هناك كابوس للعرب المسيحيين.
وفي حين نظّم اليهود والمسلمون لوبيات سياسية قوية ومؤتمرات ضخمة، ظل المسيحيون في عداد المفقودين.
يعيش المسيحيون تحت أوامر العالمين العربي والاسلامي، حيث تُفرض علينا طريقة عيش معيّنة. فلا يُقبل المسيحيّ إلا إذا التزم بالقيم الاسلامية المحافظة كتجنّب الاحتفالات العامة التي يكون فيها الرقص والغناء والخمر، واختار اللباس المحافظ بدل النمط الغربي الليبرالي بما في ذلك مايوهات السباحة الخليعة. هذا بالإضافة لاجتناب منافسات ملكة الجمال مثلا. مع الملاحظ أن أسوأ مخالفة يقترفها المسيحيّ ويستنكرها الاسلاميون المتطرفون هي المشاركة في النقاش العام خارج الحدود المرسومة من طرف الخطاب السياسي المتطرف، خصوصا إذا كان النقاش عن فلسطين.
ليس هناك صوت للمسيحيين في الشرق الأوسط. فقط هناك حضور رمزي في بعض الحكومات العربية. وحتى في الانتخابات فإن الطريق الوحيدة للحصول على مركز حكومي بالنسبة للمسيحيين فيكون إما عن طريق التعيين المباشر من الحاكم أو الحكومة العربية، أو عن طريق الترشح لمقعد ضمن الحصة المخصصة مسبقا للمسيحيين. عدى ذلك، ليس هناك صوت للمسيحيين.
أما إذا خرجوا عن تلك الحدود المرسومة والمتفق عليها كما ذكرتُ سابقا، فيتعرضون للذمّ والطعن فيهم والافتراء عليهم.
كل الفلسطينيين المسيحيين الذين حاولوا أن يعملوا من داخل المنظومة يتعرضون للطعن فيهم من طرف الاسلاميين المتطرفين والعلمانيين المتعصّبين. وكمثال على ذلك ما حدث مع السيدة نادية الحلو، التي ترشحت وفازت بمقعد في الكنيسيت الاسرائيلي من سنة 2006 إلى سنة 2009. وكانت نادية أول امرأة مسيحية في الشرق الأوسط تحصل على منصب منتخب بطريقة ديمقراطية. وقد تعرّضت إلى مهاجمات مستمرة من طرف النشطاء الفلسطينيين من داخل إسرائيل وخارجها.
وأذكر أنه في اجتماع في مدينة شيكاغو حضره سفير منظمة التحرير الفلسطينية السيد معن عريقات في محاولة لرأب الصدع داخل الجالية الفلسطينية في أمريكا، وقعت عرقلة أعمال الاجتماع من طرف عدة متطرفين، كانوا يعترضون على مشاركتي فيه، فقط لأنني كنت قد استضفت السيدة نادية الحلو في برنامجي الاذاعي. وكان الاعتراض أشدّ ضراوة لأنني عربي مسيحي.
كان المتطرفون أقلية، ولكن أغلبية العرب استجابوا لتعصّبهم وطلبوا مني عدم التحدّث عن أية فُرقة بين مسلمين ومسيحيين، بداعي أننا “كلنا عرب”.
نعم، كلنا عرب، إلى أن يُصبحوا مسلمين.
إن مجرد الحديث عن مسألة أن العرب المسيحيين مجموعة مهمة أثار ضجة على الانترنت، وأطلق موجة من الحقد والغضب والكراهية من قبل المتعصبين الذين نددوا بالعرب المسيحيين ووصفوهم بأنهم “حاقدون على العرب”، بمجرّد أن العرب المسيحيين انتقدوا فشل المسلمين المعتدلين في التصدّي للإسلاميين المتطرفين.
يجب أن يتوقف قمع العرب المسيحيين، لأن فشل المسلمين المعتدلين في معالجة هذا المشكل من شأنه أن يعطي لإسرائيل الفرصة لاستقطاب الفلسطينيين المسيحيين المضطهدين.
لقد تعب العرب المسيحيون من الاضطهاد والتهميش والاستهداف. تُدرك إسرائيل هذا الأمر في حين يواصل العالم العربي والاسلامي شعوره بالإساءة كلما طُرحت المشكلة.
أنا أعرف أن اسرائيل لا تستقطب العرب المسيحيين لأنها تكنّ لهم المحبّة. فإسرائيل تواصل مصادرة وتهديد أراضي العرب المسيحيين، ومن بينهم أرضي في غيلو قرب بيت لحم.
وليست هذه سوى مناورة سياسية مفضوحة لشقّ صف المسيحيين والمسلمين. وإذا ما كان ذلك هو الهدف، فإن فشل المسلمين العاديين في رفع أصواتهم للدفاع عن المسيحيين وفي مواجهة المتطرفين الاسلاميين من شأنه أن يجعل الجهود الاسرائيلية ناجحة أكثر فأكثر.
وقد يتمكن تدخّل البابا فرنسيس في نزاع الشرق الاوسط من تغيير ذلك. قد لا يتمكن من إحلال السلام، ولكنه يعزز المساواة بين العرب المسيحيين والعرب المسلمين، ويذكر المسلمين واليهود أن المسيحيين يجب أن يكونوا جزءا في الحوار، الذي اقتصر إلى حد الآن على المسلمين واليهود، دون إحراز أي تقدّم.
راي حنانيه كاتب صحفي فلسطيني أمريكي متحصل على جوائز عديدة، ومدير تحرير The Arab Daily News الالكترونية. اتصلوا به على موقعwww.TheArabDailyNews.com
تابعوه على تويتر @RayHanania.
Categories: Arabic
Leave a Reply