ليس للنفاق الأمريكي حدود عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي
American Hypocrisy Amnesty International Executions
بقلم راي حنانيه
إذا كان هناك من أمر تتّصف به النظرة الأمريكية للعالم العربي فهو النفاق.
وهذا أمر محزن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأمريكيين يعدّون أنفسهم الأمة الأكثر تعلّما والأكثر ديمقراطية في العالم. وقد يكون الأمريكيون الأكثر تعلّما في العالم ولكنهم الأقل معرفة بالعالم.
أرجو أن لا يُساء فهمي، فالأمر ليس سيئا تماما، وكان يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه بكثير. ولكن التمييز والعنصرية تحدّدان نظرة الأمريكيين ليس فقط للأجانب ولكن حتى للتنوع الموجود في المجتمع الأمريكي نفسه. أما المحرك الذي يدفع هذا الضعف فهو الاعلام الأمريكي السائد، الذي يتّسم بالفساد وبانعدام الأخلاقيات وبعدم احترام الدقّة والسقوط المستمر في الخطأ، وبالولاء الحزبي أكثر من النزاهة الصحفية.
فلماذا إذا تلجأ الدول العربية للمؤسسات الاعلامية الأمريكية لطلب المشورة في إنشاء الكيانات الصحفية في كلياتها ومؤسساتها؟ لأن الأمريكيين بارعون أيضا في إخفاء نفاقهم، والعالم العربي بكل صراحة لا يهتدي دائما للتمييز الصحيح بين ما هو ممتاز وما هو جيد وما هو سيّء وما هو شرّ.
هذا الأسبوع، أصدرت منظّمة العفو الدولية تقريرا مفصّلا حول تنفيذ أحكام الاعدام. وبالاستناد إلى ما نقرأه في الاعلام الغربي المنحاز، قد يبدو أن أغلب الإعدامات تقع في العالم العربي.
ولكن التقرير مخطئ في نواح عديدة. ففي بعض الأحيان لم يكونوا قادرين على جمع الأرقام الدقيقة المتعلقة بأحكام الاعدام في الصين، لأن تلك الأرقام مرتفعة جدا. كما يعتقدون أن أحكام اعدام تُنفّذ في سوريا، ولكن لا أحد يعلم. وتبقى إسرائيل خارج نطاق المحاسبة، باعتبار أنهم يعرفون الاعدام بشكل يطرح الكثير من التساؤلات.
ولكن التقرير يكرّس ممارسة يحبها الأمريكيون وهي التظاهر بالعُلوية الأخلاقية على الجميع في حين أنهم في الحقيقة كغيرهم تماما.
فمثلا يعتقد الأمريكيون أن الصعق بالكهرباء أو حقن السموم الفتاكة أو الشنق هي طرق “أكثر إنسانية” في الاعدام، تسمح لهم أن يطلقوا صرخات الهول وأن يوجهوا أصابع الاتهام كل ما وصلت إليهم أخبار قطع الرؤوس أو قطع يد السارق الذي ثبتت إدانته.
إن تقرير العفو الدولية مثير للاهتمام بالنظر للطريقة التي وقعت كتابته بها، حيث أن المنظمة وبكل وضوح تتعاطى السياسة من خلال التقرير.
وعوض أن يقدم التقرير لائحة في البلدان التي تنفذ حكم الاعدام أكثر من غيرها، يتولى التقرير تقديم الوعظ لعدد من البلدان، ويتحدث عن الولايات المتحدة في سياق أنها الاستثناء الوحيد في الأمريكيتين، بينما روسيا البيضاء هي الاستثناء الوحيد في أروبا.
ولكن الحقائق فهي كالتالي: نفّذت الصين أكبر عدد من أحكام الاعدام، قد تصل إلى الآلاف. لكن بما أن النظام الصيني قمعيّ إلى حدّ كبير، لا يمكن توثيق الأرقام.
تحتلّ إيران المرتبة الثانية بأكثر من 314 تنفيذ إعدام في 2012. أما العراق، والتي يُمكن اعتبارها لا تزال تحت سيطرة الولايات المتحدة، فهي تحتل المرتبة الثالثة بـ 129 تنفيذ إعدام. وتأتي السعودية في المرتبة الرابعة بـ 79 تنفيذ إعدام، تليها مباشرة الولايات المتحدة بـ 43 تنفيذ إعدام، أي في المرتبة الخامسة.
الرقم الاجمالي لعمليات تنفيذ أحكام الاعدام هو 682 في سنة 2012، و680 في سنة 2011، لكن الرقم لا يعكس المجموع الدقيق في كلّ الأحوال.
وقد أُنزل حكم الاعدام بـ 1722 آخرين في سنة 2011 وذلك في 58 دولة أغلبها في الغرب.
وقد استثنى التقرير دولة إسرائيل، حيث لم يقع ذكرها إطلاقا. في الحقيقة، تستخدم إسرائيل سياسة أشدّ بشاعة في الاعدام، وهي طريقة مبتكرة لا يشملها تقرير منظمة العفو الدولية، نظرا أساسا لسياسات الدول الغربية.
الاعدامات التي يشملها تقرير العفو الدولية تعكس عمليات القتل التي تنتج عن عملية قضائية ولو محدودة. ولكن في إسرائيل، لا تستخدم المنظومة القضائية الحكم بالإعدام، لكن الدولة تلجأ إلى الاعدام تحت سياسة يسمّونها “الاغتيال الخارج على منظومة القضاء”. وهذا الأسلوب له مسوّغات عنصرية وسياسية، بما أن كل الذين يقع إعدامهم بهذه الطريقة هم من الفلسطينيين والعرب دون غيرهم.
يعني بعبارة أخرى أن إسرائيل تغتال أفرادا دون أية محاكمة، وبما أن هذا “الاعدام” يحصل خارج المنظومة القضائية، فهو يبقى خارج التوصيف.
النفاق هو أساس الديمقراطية الأمريكية. فالأمريكيون يستخدمون قيما أخلاقية متحركة، يدينون على أساسها الدول الأخرى التي تقوم بأشياء كان الأمريكان يقومون بها في السابق وتوقفوا عنها. لقد كان الرقّ أحد أسس النظام الأمريكي على مدى 3 قرون، أي قبل وبعد تأسيس الولايات المتحدة. ولكن لأنهم ألغوا الرق كسياسة في القرن التاسع عشر، مع الاحتفاظ بسلوكيات عنصرية لمدة 100 سنة لاحقة، فهم يدينون الدول الأخرى التي لا يزال فيها نوع من أنواع الاستعباد على مستوى السوق السوداء الخارجة عن القانون.
لقد أحرق الأمريكيون “الساحرات” في الساحات العامة، وسكبوا الأسفلت الحامي على مرتكبي المخالفات وألصقوا بهم كساء من الريش، وشنقوا الناس ليس على المشانق بل على الأشجار، على أسس عنصرية، لمجرد أنهم كانوا من الأمريكيين الأفريقيين، وذلك حتى الستينات من القرن الماضي. وهم لا يزالون يلقون بالناس في السجون لمجرد أنهم مسلمين، ولمجرد أنهم عبّروا على أراءهم السياسية واستخدموا حقهم في “حرية التعبير”.
ما يحدث هو أنه في الولايات المتحدة، الاعلام السائد متواطئ في النفاق.
فالرؤساء الأمريكان ليسوا بحاجة لإصدار أوامر لمراقبة الاعلام. فهم يلجؤون إلى المحاباة والاستهداف ليفصلوا بين ما يعتبرونه حرية تعبير تتماشى مع الشعور العام، وحرية التعبير التي لا تتماشى مع ذلك الشعور. وهم بالتالي يهمّشون تلك الأصوات التي تفضح النفاق الأمريكي، ويعزلونها ويسلطون عليها الضغوط باستخدام الملاحقات وترويج الشائعات.
عندما كنت ناشطا يافعا في السبعينات من القرن الماضي، تعرض كل أصدقائي إلى الهرسلة من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي، وتعرضت أنا شخصيا إلى التحقيق معي لمدة سنتين كاملتين، حتى وأنا كنت عائدا لتوّي من الخدمة العسكرية التي دامت سنتين والتي أنهيتها برتبة مشرّفة خلال حرب الفيتنام، لمجرّد أنني كنت فلسطينيا.
إن مسألة تنفيذ أحكام الاعدام سواء كانت قانونية أم لا، تحتاج إلى مزيد من المناقشة والفهم. فالمسألة غير شاملة وتخضع إلى الكثير من الانحياز السياسي. وما تفعله أمريكا يبقى بالغ الأهمية، رغم أنها ليست ديمقراطية حرة حقيقية، لكنها تبقى أكبر قوة عسكرية في العالم.
قد يعتبر البعض أن أمريكا قوية، ولكني أحيانا أتساءل ما إذا كان الأمر مجرّد تنمّر ونوع من أنواع الرقابة الخارجة عن الأطر القانونية.
راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. اتصلوا به على موقع www.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania
Categories: Arabic
Leave a Reply