الأمريكيون ممنوعون من نقاش صريح حول إسرائيل

الأمريكيون ممنوعون من نقاش صريح حول إسرائيل

بقلم راي حنانيه

Americans denied fair debate on Israel

خلال الأشهر القليلة الماضية، صوّتت اثنتان من كبريات المؤسسات العلمية لصالح مقاطعة إسرائيل كردّ فعل على السياسات الاسرائيلية التمييزية ضد العرب المسيحيين والمسلمين.

وتأتي هذه المقاطعة من طرف جمعية اللغات الحديثة وجمعية الدراسات الأمريكية دون تمييز بين إسرائيل والاحتلال، ولكنها تعكس تزايد الانتقاد الموجه لإسرائيل جراء “حربها على الحقوق المدنية”.

وقد أثارت هذه المقاطعة حالة فزع لدى إسرائيل كما أثارت حملة كبيرة داخل الكونجرس وفي الاعلام الأمريكي لنعت كل من ينتقد إسرائيل بأنه “معادي للسامية”.

يا لهول المصيبة.. كيف تُنتقد إسرائيل في أمريكا؟

أعضاء الكونجرس دخلوا في حالة من الهستيرية. وهاهم يمضون وقتا للدفاع عن إسرائيل أكثر من الوقت الذي يخصصونها للدفاع عن مصالح دافع الضرائب الامريكي، لأن لجان حماية مصالح إسرائيل تكافؤهم بسخاء مقابل عملهم على حجب الحقيقة عن الشعب الأمريكي.

كما أن التهجم على منتقدي إسرائيل يلقى صدى ورواجا كبيران في الاعلام الأمريكي السائد، المعروف بانحيازه العنصري وبنظرته الاحادية الجانب.

ولا يهم أن تكون يهوديا أم غير يهودي. فإذا ما كنت من المدافعين على إسرائيل، فإن مسيرتك المهنية في الصحافة ستتألق. أما إذا كنت من الكتّاب المنتقدين للسياسات الاسرائيلية، مثلي أنا، فإن العكس هو الصحيح. أضِف إلى ذلك أني عربيّ أمريكيّ.

والحقيقة هي أن معظم الكتّاب الصحفيين الذين يكتبون حول النزاع العربي الاسرائيلي في كبرى الصحف الأمريكية هم من داعمي إسرائيل، وهم أيضا يهود.

كما أن الحقيقة أيضا هي أنك تضع مسيرتك المهنية موضع الخطر إذا ما تجرأت على انتقاد إسرائيل. وأغلب المقالات المنتقدة لإسرائيل ترفضها وسائل الاعلام.

وفي “الحرب الكلامية”، يوجد هناك العديد من الكتاب الصحفيين من اليهود الأمريكيين يدافعون عن إسرائيل وينتقدون العرب. في المقابل، ليس هناك أي كاتب صحفي عربي يكتب بشكل مستمر لأيّ من الصحف الأمريكية الكبرى ينتقد إسرائيل بنفس الشكل الذي يتهجم به داعمو إسرائيل على العرب.

وإذا ما اقترب أحد الكتاب العرب إلى القمة، فإنه يجد نفسه يمشي على الحبل. ولو تجرأ وكتب أي شيء فيه لهجة منتقدة لإسرائيل بحدّ مّا من القوة، فإنه سيُقصى فورا. وقد عايننا ما يحصل للكتاب العرب عندما يقتربون من ذروة الاعلام.

لقد طُردت أكتافيا نصر من سي ان ان لمجرد التعبير عن تعازيها في تغريدة لا تزيد عن 140 حرفا على موقع التويتر، إبان وفاة زعيم معتدل لحزب الله. كما طُردت هيلين طوماس من جريدة هيرست وأدانتها جمعية الصحفيين “المحترفين”، لمجرّد أنها قالت لمُدوّن داعم لإسرائيل أنه على إسرائيل أن تتوقف عن احتلال الفلسطينيين.

ليس هناك أي دفاع على سلوك إسرائيل. إن قتل المدنيين الأبرياء بما فيهم الأطفال والنساء أمر خطأ.

أما التبرير الاسرائيلي فهو بسيط، حيث تعتبر أن النساء والأطفال ما هم سوى أضرار جانبية في حرب إسرائيل “ضد الارهاب”. فلو فرضنا أن شخصا تعتبره إسرائيل ارهابيا هرب داخل بيت، فإن إسرائيل لا تُرسل جنودا لاعتقاله وتوجيه التهمة له ومحاكمته أمام القضاء، بل أن إسرائيل تُفجّر البيت على رؤوس من فيه، أطفالا ونساء.

ولكن بدل أن يناقش هؤلاء ذلك السلوك الاسرائيلي، فإنه يلجؤون إلى التهجم على المنتقد بصفة شخصية، تماما كما يفعل المتشددون الاسلاميون تجاه العرب المعتدلين، خصوصا المسيحيين منهم، من أمثالي أنا.

فهل لأحد أن يتصور ولو للحظة أن شرطة مدينة شيكاغو تُفجر بيتا يختبأ فيه مشتبه به، بدل أن تلاحقه قضائيا أمام المحاكم، ويموت في ذلك التفجير أطفال ونساء أبرياء؟ هذا أمر غير مقبول في أي مكان، إلا إذا ما كانت إسرائيل هي من تقترفه.

ويستخدم الكتاب الداعمون لإسرائيل كل ما لديهم من نفوذ في أعلى هرم الاعلام الأمريكي للتنديد بكل قوة بأي شخص ينتقد إسرائيل على عدم احترامها لسيادة القانون.

أنا أشعر بالأسف على كتاب صحفيين من أمثال شارلز كراوثامر وطوماس فريدمان وجفري جولدبرغ وريتشارد كوهين، لأنهم يضحون بضميرهم المهني كل يوم، من أجل الدفاع على إسرائيل من منتقديها.

ولكن الأمر ليس صعبا عليهم، فمقالاتهم يقرأها مئات الملايين من الأمريكيين السُذّج المساكين، ممن لا يفقهون الفرق بين فلسطيني وباكستاني، أو بين إيراني وهندي، أو بين سعودي وسوري. فكلنا أجانب ذوي بشرة سمراء، وبالتالي فنحن “مُذنبون حتى نُثبت براءتنا” من الارهاب. أما زملاءهم الذين يجرؤون على مسائلتهم على آرائهم المنحازة، فهم نفر قليل جدا.

عندما أعلنت جمعية الدراسات الأمريكية على مقاطعتها للمؤسسات الاسرائيلية، نعتها السيد كراوثامر بأنها منظمة “معادية للسامية”.

أما كوهين فقد كان أكثر دهاء، حيث نعتهم بمعاداة السامية بشكل ملتوي، إذا نعتهم بالحمقى.

أما جولدبرغ الذي يكتب في نيويورك بوست فلم يكن مجبرا على نعتهم بمعاداة السامية، لأنه فعلها قبل ذلك مرات عديدة، في هراءه الداعم لإسرائيل.

أما فريدمان، الذي يجني الأرباح الطائلة من وراء الكتب الداعمة لإسرائيل، والخطب المماثلة التي يلقيها في المؤسسات العلمية الاسرائيلية، فإن نعت المقاطعون “بأعداء السامية”. ولكنه يبقى الأفضل من بين هؤلاء الأربع.

ومن المفارقات أن الأغلبية يكتبون حول مواضيع أخرى بشكل متوازن فيه وضوح وذكاء. ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإنهم يلقون ضمائرهم المهنية عرض الحائط، ويتقمّصون دور المدافع المستميت، على دولة أجنبية، على حساب حرية التعبير والنقاش المفتوح.

تخيّلوا… أربعة من أعتى المدافعين على إسرائيل في أربع من أكبر الصحف الأمريكية يفتحون النار بكل شراسة على منتقدي إسرائيل، في نفس الوقت.

وما يزيد من خطورة ما يفعلون هو أنهم كلهم يهود. ومن المُفترض أنهم يعرفون معنى تُهمة “معاداة السامية” ولا يُلقونها جزافا، لأن ذلك يُضعف قدرتنا على مكافحة معاداة السامية الحقيقية، ومكافحة التمييز والعنصرية أيضا.

وليس هناك صحيفة أمريكية واحدة لديها من الشجاعة الكافية أو من الشرف الصحفي ما يكفي لنشر مقالة واحدة يكتبها عربي أمريكي، تكشف وجهة النظر الأخرى. ولا أحد يعيب على هذه الصحف عدم فعل ذلك.

أنا أُعارض مقاطعة إسرائيل. وأختلف مع المقاطعين الذين يوسّعون نطاق المقاطعة أكثر من احتلال الضفة الغربية. أنا أعترف بحق إسرائيل في الوجود في كنف السلام الذي لم يتحقق بعد. أنا أعارض العنف مهما كان نوعه. أنا أعارض الكراهية والعنصرية وأعتقد أن الديمقراطية وحرية التعبير هي شروط أساسية للمعرفة. كما أني لا أقبل بمقاطعة إسرائيل، بل أدعم فقط مقاطعة المستوطنين وكل المنتوجات الاسرائيلية التي تستغلها إسرائيل من الأراضي المحتلة.

إن الصحف الأمريكية السائدة لا تهتم بهذا، لأنني أيضا انتقد سياسات الحكومة الاسرائيلية.

الاعلام الاخباري الامريكي السائد يشترط الولاء لإسرائيل قبل أن يشترط الموضوعية والانصاف، أو أن تكون الآراء بناءة. ولكن الزبون المزيّف لدى حكومة أجنبية لا يُمكن اعتباره صحفيّا.

راي حنانيه كاتب صحفي متحصل على جوائز عديدة. اتصلوا به على موقعwww.TheMediaOasis.com . تابعوه على عنوان تويتر @rayhanania



Categories: Arabic, Middle East Topics

Tags: , , , , , , , ,

Leave a comment